إن التفريق بين العقود المالية أمر ذو أهمية بالغة، إذ به يعرف الأطراف العقد المناسب لأحوالهم، والمتوافق مع ظروفهم، ومن بين أبرز العقود المالية المضاربة والمرابحة للآمر بالشراء، إذ لهما استخدام على نطاق واسع، فكان من المهم والمفيد الوقوف على أحكامهما، والمقارنة بينهما.
عقد المضاربة هي: شركة في الربح، يقدم فيه طرف المال ويسمى (رب المال) ويقدم فيه آخر عملا ويسمى (المضارب).
وأما عقد المرابحة للآمر بالشراء فهي: بيع سلعة بمثل ما اشتراها البائع بناء على أمر طالبها مع زيادة ربح معلوم متفق عليه.
إن الغاية المقصودة من التعامل بالمضاربة هي تنمية المال وتثميره، من خلال التجارة وكسب الربح، بينما الغاية من التعامل بالمرابحة هي اقتناء الأشياء وتملكها سواء كانت قيمتها سترتفع مستقبلا أو ستنخفض.
تقوم العلاقة بين الأطراف في المضاربة على المشاركة، بحيث يقدم أحد الطرفين مالا، ويسمى (رب المال)، ويقدم الآخر جهده وخبرته ووقته، ويسمى (المضارب)، كما ينتهي أيضا بالمشاركة في الربح عند تحققه، وهذا الأمر يكشف لنا السبب الداعي إلى هذا النوع من التشارك، فصاحب المال قد لا تكون عنده الخبرة الكافية لدخول الأسواق التجارية، أو قد لا يكون لديه الوقت الكافي لمتابعة الأعمال التجارية إن دخل فيها، فيحتاج إلى من يعينه في ذلك، وفي المقابل يوجد من لديه الخبرة والوقت الكافيين غير أنه لا يملك رأس المالي الذي يمكنه من دخول السوق التجاري، فيلجأ الطرفان إلى هذا النوع من التشارك.
وأما الرابحة فتكوم العلاقة بين الطرفين على البيع، وبهذا تطبق عليهما أحكامه من حيث كون أحدهما بائعا ملزما بتسليم السلعة، والآخر مشتريا ملزما بتسليم الثمن، غير أن ما يميز هذا النوع من المرابحة عن المرابحة العادية هو وجود أمر من طالب السلعة إلى البائع بأن يذهب لشرائها من السوق، ثم يشتريها طالبها من البائع بزيادة ربح يتم الاتفاق عليه، وهذا بدوره يكشف لنا السبب الداعي إلى استخدام هذا النوع من العقود، والذي هو عدم توفر السيولة المالية لطالب السلعة، الأمر الذي يدعوه ليطلب من طرف آخر شراءها، ثم يشتريها منه بزيادة ربح على أن يسهل له طريقة سداد الثمن.
في المضاربة يتقاسم الطرفان (رب المال والمضارب) الربح بناء على اتفاقهما عند إبرام عقد المضارب، والذي يكون بناء على النسبة، كأن يكون مناصفة بينهما، أو أقل لأحدهما وأكثر للآخر، ولا يمكن أن يكون مبلغا محددا سواء لرب المال أو المضارب، فمن أكبر إشكالات تحديد مبلغ مقطوع يظهر عند عدم تحقيق أي ربح، فالشراكة إنما قامت على تقاسم الربح، فيكيف سيتم سداد المبلغ في هذه الحالة، ولذلك كانت أمرا ممنوعا. وأما الخسارة فيتشارك فيها الطرفان أيضا، فيخسر رب المال ماله، ويخسر المضارب جهده ووقته، فلا يطلب رب المال من المضارب أن يرد له رأس ماله، كما لا يطلب المضارب من رب المال أن يدفع له نظير جهده ووقته. غير أنه يستثنى من حالة الخسارة إذا تعدى المضارب في المال أو قصر فيه، كأن يخالف شروط رب المال فإنه هنا يكون ملزما بأن يعوض رب المال عن خسارته.
وأما المرابحة فإن بائع السلعة يختص وحده بالربح والخسارة، نظرا إلى أن علاقته بالطرف الآخر هو عقد بيع وشراء، فكما أنه يستحوذ على الربح كله من صفقة البيع، فإنه أيضا يتحمل الخسارة وحده حتى وإن كان شراؤه للسلعة بناء على أمر طالب الشراء، فلو طلب شخص سلعة من دولة، فاشتراها البائع حتى يبيعها للذي طلبها، غير أنها غرق في البحر، فإن البائع يتحمل الخسارة كلها وحده، ولا يلحق طالب السلعة من ذلك شيء.
الأصل في عقد المضاربة أنه عقد أمانة، فالمضارب أمين على المال الذي في يده، ولا يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق المال إلا إذا ثبت تقصيره أو تعديه، ولذلك فإنه لا يمكن أن يطلب منه تقديم ضمان لرب المال كرهن أو كفالة بحيث يقتضي منه رب المال ما يجبر به الضرر الذي يلحق ماله، ولكن استثني من هذا أخذ رب المال لضمان من المضارب بشرط أن يقتضي منه حقه متى تعدى المضارب في المال أو قصر فقط.
وأما المرابحة فإنه عقد قائم على البيع، ووارد عليه تسبب دين في ذمة المشتري، بتأجيل الثمن كله أو بعضه، ولذا يمكن للبائع أن يطلب من المشتري ضمانا كرهن أو كفالة يتوثق به استرداد ثمن السلعة المبيعة.
التعاقد في المضاربة تكون بالتجارة من خلال شراء البضائع والسلع ثم بيعها، ويمكن أن يكون التعاقد مطلقا بحيث يمكن للمضارب أن يدخل في أي سوق، ويشتري أي سلعة، كما يمكن أن تكون المضاربة مقيدة بجملة من الشروط التي يضعها رب المال، فيشترط على المضارب الالتزام بأسواق محددة، أو سلع معينة، أو يمنعه من أسواق أو سلعة معينة.
والمرابحة أيضا تكون بشراء سلع ثم بيعها، ولكن الفرق أن السلعة في المرابحة تباع لطالب السلعة، بينما في المضاربة لا تباع السلع لرب المال، وإنما لأطراف آخرين. كما أن الشروط في المرابحة تكون بصورة مختلفة عن المضاربة، إذ يتم فيها تحديد أوصاف السلعة تحديدا دقيقا حسب قصد طالب السلعة، ولا يمكن أن تكون مرابحة مطلقة في أي سلعة، أو مقيدة بشروط عامة لا تمييز السلعة تمييزا دقيقا.
لا يدخل في المضاربة عقد وكالة بين رب المال والمضارب، فمجرد تسليم المال للمضارب يعد إذنا من رب المال له بمباشرة استخدامه والتعامل به، فهو بمثابة توكيل له للقيام بالمضاربة.
وأما المرابحة فإن الأصل فيه أن يقوم البائع بنفسه بشراء السلعة التي يطلبها المشتري، ويقبضها، ثم يبيعها للمشتري، غير أن الوكالة قد تدخلها بحيث يوكل البائع المشتري في أن يشتري السلعة باسم البائع، ويقبضها نيابة عنه، ثم يتم بيعها للمشتري، ولكن على أن ترعى جملة من الشروط، منها:
1- أن تباشر المؤسسة دفع الثمن للبائع بنفسها، وعدم إيداع ثمن الســلعة في حســاب العميل الذي تم توكيله متى ما أمكن ذلك.
2- أن تحصل المؤسسة من البائع على وثائق تؤكد حصول البيع حقيقة.
في هذه المقاله