لقدكان للبنوك الرقمية نموا متسارعا في الآونة الأخيرة، نظرا لما شهده القرن الأخير من طفرة في تكنولوجيا المالية، وزاد وتيرة التسارع هذه جائحة كورونا، ما طور الأعمال المالية الرقمية عموما، والبنوك الرقمية خصوصا، حتى تجاوز عددها 400 بنك رقمي عبر العالم، وقد كان للمالية الإسلامية حظا من ذلك، فقد تم إطلاق عدد من البنوك الرقمية الإسلامية عبر العالم، سواء في دول الخليج أو غيرها.
ورغم أنني لم أشارك إلى لحظة تحرير هذا المقال في أعمال بنك رقمي إسلامي، غير أنه من خلال ما وقفت عليه في المالية الإسلامية من جهة، وتكنلوجيا المالية من جهة أخرى، بدت لي أن هنالك جملة من الجوانب المتعلقة بالالتزام بضوابط الشريعة الإسلامية:
إن التحول إلى بنوك رقمية إسلامية ليس أمرا مستحيلا، ويكفي شاهدا على هذا إطلاق جملة من هذه المصارف، ولكنه أيضا ليس بالأمر السهل، إذ تكتنفه الكثير من الصعوبات، ومع هذا فإن الواقع العالمي الذي تعيشه الصناعة المالية يحتم على المالية الإسلامية أن يكون لها موضع قدم ضمن البنوك الرقمية، فالتطور الكبير، والابتكار المتسارع، لا يترك مجالا لكل من تخلف عن الركب، بل قد يؤول الأمر مستقبلا بمن يتأخر عن الركب أن يكون مفصولا عن المستقبل وتقنياته وابتكاراته المالية.
إن الذي يبدو لي أن قضايا الالتزام الشرعي في البنوك الرقمية الإسلامية هي من أكثر القضايا حاجة إلى عناية ودراسة، لا لوجود تعارض بينها والبنوك الرقيمة، ولكن للضوابط الشرعية التي تحرص على تجنب كل ما قد يفضي إلى النزاع بين الأطراف، ومن ذلك حرص الشريعة على أن يكون محل التعاقد أمرا ملموسا ومحسوسا، وليس افتراضيا معنويا، فمثلا نجد أن من الشروط الشرعية لمحل التعاقد أن يكون موجودا وممكن التسليم عند التعاقد، وهذا يمنع المضاربات على أمور مستقبلة غير مقطوع بوجودها، ومن ذلك أيضا اشتراط الشريعة قبض السلعة قبل إعادة بيعها، وهذا يثير تساؤلا كبيرا حول كيفية إمكان تطبيقه في المالية الرقمية الإسلامية، صحيح أن البنوك الرقمية تفرض واقعا جديدا أمام علماء الشرعية، ولقد كانت للعلماء اجتهادات معاصرة كثيرة، ولكن قد يؤول الإكثار من التوسع في الأقوال - مثل العمل بالقبض الحكمي حتى يكون أصلا تبنى عليه المعاملات - بأن يجعل العمل المصرفي الإسلامي أشبه بشكلية لا مضمون لها، أي كأنه تتبع للرخص الشرعية.
إن طريقة تأسيس البنوك الرقمية الإسلامية في الوقت الحالي قائم على اختيار المنتجات، وقد انتقد بعض هذا، ورأى بأنه ينبغي إعداد نظام متكامل، ينطلق معه البنك وقد أكمل خدماته، لينطبق عليه اسم بنك حسب ما هو معروف، غير أن الذي يبدو لي أن طريقة تأسيس البنوك الرقمية في هذه المرحلة المبكرة يجب أن تأخذ منحى يختلف عن الطريق التي أسست بها البنوك الإسلامية العادية، فتأسيسها لا يكون بأخذ كل أعمال المصرفية الإسلامية العادية ومحاولة تطبيقها في المالية الرقمية وتطويع المبادئ الشرعية لها بحجة تغير العصر وما شابه ذلك من العلل، وإنما يكون بفرز هذه الخدمات المصرفية، تم اختيار الخدمات التي يمكن تطبيقها رقميا، وبعدها تحديد أفضل طريقة شرعية تتناسب مع الخدمة، وبطبيعة الحال، فكلما كان العمل الحسي غير مطلوب أو ذا بدل سهل تطبيقه والعلم به.
في هذه المقاله